أقام الله الحياة على الأرض على أقدام متوازية، لتتوازن وتتصل وتسير إلى الأمام، ولكن قد تدفع الاستثناءات والعوارض والطفرات بقدم ما لأن تسبق الأقدام الأخرى، فيختل الإيقاع وتتهدّد الحياة على الأرض.
ومع أنماط التكاثر فى أوساط الكائنات المختلفة، زادت أعداد البشر الذين يحتاجون إلى طعام كافٍ لأفواههم، وزادت أعداد الحيوانات والحشرات التى تشارك البشر هذا الطعام، لهذا كان البحث عن وسائل لتقليل أعداد المنافسين والشركاء وحماية القدر الأكبر من الغذاء، فكانت فكرة المبيدات الحشرية كوسيلة من وسائل مكافحة الآفات والحشرات التى تهاجم النباتات والمزروعات.
* البداية وتطور الاستخدام
استعمل السومريّون – سنـة 2500 قبـل الميـلاد – مركبات الكبريت الطبيعية لمكافحة الحشرات، فكانوا أول من استخدم المبيد الحشرى، وفـى عام 1500 قبل الميلاد جاء الصينيّون لاستخراج المبيدات الحشرية مـن مصادر نباتية، واستخدموهـا لحماية بذور النباتات من الإصابات الحشريـة، وفى سنة 300 بعد الميلاد أُدخلوا طـرق مكافحة الحشرات من خلال مزارع المفترسات، حيث أطلقوا نوعًا من النمـل المفترس علـى الخنافس الثاقبة لأشجار الفاكهة، فكانت وسيلة مقاومة الحشرة بالحشرة، كمااستخدم العلماء المسلمون البصل لمكافحة الفئران.
وفى العصر الحديث يرجع استخدام المبيدات الحشرية إلى أكثر من خمسة عقود مضت، كوسيلة للحد من الآفات الضارة بالنباتات، لأن الإنسان وجد أن الحشرات تنافسه على الغذاء،فبدأ فى تصنيع المبيدات المقاومة لها فسُمّيت بـ “المبيدات الحشرية”، وبدأت فى الازدهار فى أوائل خمسينيات القرن العشرين، مع استخدام المركبات الهيدروكوبرونية – مركّب كيميائى من الكربون والهيدروجين – بهدف مكافحة الجراد والحشرات الصغيرة التى تستهدف القطن والنخيل فى ذلك الوقت فتقلل من إنتاجيته، وبحلول الستينيات زاد استخدام تلك المبيدات، وازدهرت بشكل أكبر فى مطلع الثمانينيات، مع ظهور المركبات البيروثرويدية المُصنّعة بهدف وقاية النبات من كل ما هو ضار.
وقد بدأت المبيدات الحشرية بالمركبات اللا عضوية، مثل: مركبات الزرنيخ والمركبات ذات الأصل النباتى مثل الروتينون والنيكوتين والبارثرين، ومع أوائل القرن الحالى استُخدِمت الغازات السامّة، مثل سيانيد الهيدروجين، وذلك لتدخين الأشجار، وفى الوقت نفسه ظهرت الزيوت المعدنية – القطرانية منها والبترولية – ثمّ استُخدِمت “مركبات الفينولات” فى عشرينيات القرن الماضى، وبعد الحرب العالمية الثانية ظهرت المركبات الجديدة الصناعية، مثل: المركبات الكلورية العضوية، أو المركبات الفسفورية العضوية.
* أنواع المبيدات الحشرية
جميع أنواع المبيدات تتفق فى أنها ضد الآفات النباتية، أى التى تهاجم النبات وتُسمّى بالآفات الحشرية، أى الحشرات التى تحارب النبات المزروع، وهى ثلاثة أنواع، نذكرها لك باختصار وتلخيص:
من حيث التركيب: 1- مبيدات الكلورينات العضوية:هى مركّبات تؤدى إلى حدوث أضرار تلويثية كبيرة للبيئة، ومنها تسمُّم مختلف الكائنات الحية التى تتعرض لها، ولذلك تسمى “ملوثات سُمّية”. 2- المبيدات الفوسفورية العضوية:تطور استعمالها فى خمسينيات القرن العشرين، رغم أنها مبيدات أشدّ سُمّية، لأنها تتفكّك حيويًّا بسرعة فى التربة، وهى مبيدات قاتلة بسرعة للحشرات التى تؤذى النبات.
من حيث الآفات المستهدفة:
1- المبيد الفطرى: يعالج من العدوى ويحمى من بعض الأمراض النباتية، ولا يحمى من جميع الأمراض، وأهمها: البياض الزغبى واللقحة المتأخرة فى البطاطا، إضافة إلى الأمراض البكتيرية. 2- المبيد الحشرى: يمكن أن يستهدف جميع الحشرات الصغيرة التى تتغذّى على النبات فى بدايته، ويلجأ إليه المزارعون قبل وجود أيّة حشرة للاحتياط، وهذا من الممارسات الخاطئة.
3- مبيد العناكب: يُستخدم للقضاء على النمل والصراصير والعناكب التى تعيش على فروع النبات أو جذوره.
* التسمّم وطرقه
بالاستخدام المتكرر والمُبالغ فيه للمبيدات، وعندما يُكثِر أو يسىء المزارعون استعمال المبيدات الحشرية بمختلف أنواعها، يحدث ما يسمى بـ “التسمُّم الحشرى”، وهو اضطراب يحدث حين تؤثر تلك المواد الكيميائية أو المبيدات المستعملة على الكائنات الحيّة غير المستهدفة بها بالأساس، كالإنسان والحيوان والطيور، لأسباب عدّة مختلفة، ربما بفعل التغذية، أى تناول الأطعمة المزروعة والمرشوشة بالمبيدات، وربما بسبب التعرُّض المهنى، أى بالمعاملة مع تلك المبيدات سواء بالملامسة باليد أو بالاستنشاق من خلال منطقة الصدر أثناء الرشّ، أو بفعل عملية التلوث البيئى، ومن هنا تحدث الأمراض المسرطنة الخطيرة، والاستخدام الخاطئ يؤدى كذلك إلى تطور ومقاومة الآفات المعروفة، كما يؤدى إلى وجود آفات جديدة لم تكن موجودة من قبل، ومن صور التسمّم بالمبيدات الحشرية:
الاستنشاق
عن طريق دخول جزيئات المبيد الحشرى إلى رئة الإنسان عن طريق التنفس، على شكل غازات يحملها الهواء، ثمّ ذوبانها فى السائل المخاطى المُبطِّن للجزء العلوى من الجهاز التنفسى، تمامًا كالإذابة فى الماء، وهو ما يؤدى إلى الإصابة بالتهابات حادة للكبد والكُليتين. 2. الخضار والفواكه
ما يصل إلى الجهاز الهضمى من بلع الخضار والفواكه الملوّثين بالمبيدات، حيث تصل المبيدات إلى الدم وجميع أعضاء الجسم، وتستقر فيها مسبّبة أمراض الكبد والفشل الكلوى والسرطانات، وتسبب العقم فى النهاية، وبالنسبة للمرأة الحامل فإنها تُسبّب تشوّهات للجنين. 3. تلوث المياه
تصل المبيدات إلى المياه من خلال مكافحة ورشّ الحشرات المائية الضارة التى تعيش فيه، وربما عن طريق ذوبان متبقّيات المبيدات المتواجدة فى التربة الزراعية بواسطة مياه الأمطار والرى والصرف الزراعى، خلاف مخلّفات مصانع المبيدات التى تصرف إلى المصارف والأودية والأنهار، وهى لا تتحلّل، ولهذا فإنها تتراكم فى أجسام الأسماك والحيوانات النهرية والبحرية، ثم يأتى الإنسان ليتغذى عليها فى مرحلة لاحقة. 4. تلوث الغذاء
يلجأ المزارعون الآن إلى رشّ المبيدات الحشرية من أجل نمو المحاصيل بشكل سريع وزيادة إنتاجيتها، ولذلك نجد الفواكه والخضروات يزداد حجمها بعد مرور أيام أو أسابيع قليلة عليها، ويتغير لونها وتنزل الأسواق بشكل سريع، وهذا من العوامل التى تُدمّر الخصوبة الحقيقية، وهنا يحدث التدمير الحقيقى لكل أشكال الكائنات الحية، فتتحول المبيدات إلى وسيلة لقتل الإنسان والحيوان، بعد أن استخدمت لقتل الآفات والمحافظة على قوت الإنسان.
* التسمّم والعلاج
حين يقع التسمّم بالفعل، على المصاب تطهير الجلد من التلوّث بنزع الملابس وغسيل الشعر بالشامبو وغسل الوجه بالماء والصابون بشكل عاجل، للتخلص من المواد الكيميائية.
فى حالة ضيق التنفُّس – فى الحالات الحرجة من الإصابة بالتسمّم – عليك إحضار أنبوبة أكسجين سريعًا لإجراء التنفس الصناعى.
يمكن استخدام الفحم النشط، حيث إنه يقلل من كمية المواد السامة الممتصّة، وهو كربون مُصنّع لامتصاص الغازات والسموم التى توغّلت بالجهاز الهضمى، ويدخل فى صناعة الكمامات وأدوات السلامة.
* الوقاية من خطر المبيدات
الحرص الشديد عند التعامل بالرشّ على حماية أجزاء معينة من الوجه، كالأنف واليدين وفروة الرأس، وربما تغطية الوجه كاملاً.
التوصيف المناسب للمبيدات، أى استعمال المبيد المناسب، وذلك حتى لا تُصاب النباتات بالأمراض فتنتقل منها إلى الإنسان والحيوان.
عدم المبالغة أو التكرار فى استعمال المبيدات دون استشارة الخبراء فى الزراعة أو التربة الزراعية، سواء فى حديقة المنزل أو فى مزرعة خارجية.
الأفضل استعمال مصائد الحشرات اللاصقة، كالطاردات أو الجاذبات للحشرات، أو بالتغيير الحاد فى درجات الحرارة والبرودة والرطوبة، وذلك فى البيوت البلاستيكية “الصُّوَب” أو فى المخازن.
استخدام المبيدات العضوية الطبيعية المصدر، وليست الكيميائية، مثل المستخلصات النباتية الخاصة ومحاليل الفلزات المعدنية والأحماض العضوية، والتى تقضى على الحشرات دون ترك أيّة آثار على صحة الكائن الحى.
يمكن الوقاية عبر أسلوب المكافحة الذاتية أو الوراثية، أى انعدام النسل للحشرات، وذلك من خلال تربية وإطلاق الذكور العقيمة وراثيًّا، أى إكثار العوامل المميتة التى تنتج عن تزاوج فردين من نفس النوع.