تاريخ الأزهر الشريف هو صفوة تاريخ مصر، وتاريخ مصر هو صفوة تاريخ الأمة العربية والشعوب الإسلامية، ولما ضعفت الخلافة العباسية اتجهت الأنظار إلى مصر، فدافعت عن الإسلام ضد الحملات الصليبية، كما صدت جحافل التتار الذين كانوا كالجراد المنتشر.
ولم يكن علماء الأزهر يكتفون بالقيادة الروحية، بل كانوا يقودون الشعب فى كل معاركه العسكرية وتكرر ذلك مع التتار والحملة الفرنسية والحملات الإنجليزية، كما كان لهم دور بارز فى أحداث ثورة 1919، وفى تعبئة القوى الوطنية وإذكاء روح البطولة فى نفوس جنود مصر على مر التاريخ، وكانوا يدعمون سلطة الحكام إذا أحسنوا ويزلزلون عروشهم إذا جنحوا للظلم.
وكان هناك من النماذج التاريخية للمواقف الرائعة التى وقفها رجال الأزهر فى طليعة الجماهير، ومن النماذج فى هذا القرن: لما حاولت الحكومة عام 1946 التدخل فى شئون الأزهر، وقف الشيخ عبد المجيد سليم فى وجه الحكومة وسانده كبار العلماء فهدده رئيس الديوان وأنذره بغضب لملك فقال: هل تحولون بينى وبين المسجد؟ قال: لا قال: ما دمت لن أحرم من المسجد فلا خطر على وقدم استقالته، واعتذر له رئيس الديوان ولما حاولت الحكومة ضغط ميزانية الأزهر غضب الشيخ عبد المجيد سليم، وقال: قصد هنا وإسراف هناك.
والمعروف أن منصب شيخ الأزهر بدأ رسميا 1101هـ، وأول من تولاه الشيخ محمد عبد الله الخراشى.
تلقى الشيخ تعليمه على يد نخبة من العلماء والأعلام، مثل والده الشيخ جمال الدين عبد الله بن على الخراشى الذى غرس فيه حبّ العلم والتطلع للمعرفة، كما تلقى العلم على يد نخبة من الشيوخ.
وقد درس الخراشى علوم الأزهر المقررة حينئذ مثل: التفسير، والحديث، والتوحيد، والتصوف، والفقه، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والنحو، والصرف، والعروض، والمعانى والبيان، والبديع والأدب، والتاريخ، والسيرة النبوية، وأيضًا درس علوم المنطق، والوضع والميقات، ودرس أمهات الكتب فى كل هذه العلوم السالفة الذكر على أيدى شيوخ عظماء بعلمهم وخلقهم.
وقد ظل الشيخ عشرات السنين يعلم ويتعلم، ويفيد ويستفيد من العلم والعلماء، وظل يروى طيلة حياته ويُروى عنه، وبات يضيف ويشرح ويعلق على كل ما يقع بين يديه وتقع عيناه، فأفاد بلسانه وقلمه جمهرة كبيرة من العلماء الذين كانوا يعتزون به وبالانتماء إليه، والنهل من علمه الغزير، ومعرفته الواسعة.