قارة أمريكا الجنوبية إحدى قارات العالم الكبرى والمهمّة، ولها رصيد حضارى وثقافى يثقل موازين الحضارة والثقافة الإنسانية، وعلى قدر أهميتها وقيمتها طالما عانت من تجاهل أو اعتداء أو عدم اهتمام بقيمتها، وبينما تضمّ رئة الأرض الأهم والأكبر، نتغافل جميعًا عن السرطان الذى بدأ يتوسع فيها، وينذر بخنق الأرض قريبًا.
ربما تكون أمريكا الجنوبية تحت المجهر بقوة هذه الأيام، لأنها على أعتاب أحد أهم الأحداث الرياضية العالمية، وهو ما يقود ملايين الأعين إليها، وإلى البرازيل تحديدًا، وبينما ينتظر ملايين الناس استطلاع المستطيلات الخضراء التى تلتهب فوقها المنافسات الكروية، بالتأكيد لن يلحظوا أن مستطيلاً آخر، أخضر أيضًا، يستحق التفاتة ودهشة وتشجيعًا، فغابات الأمازون ليست أقل قيمة من الاستادات، والكرة ليست أهم للبشرية من رئة الأرض التى تحفظ حياتها.
الحدث التاريخى
نترقب جميعًا – خلال أيام يونيو الأولى – بدقات قلب متلاحقة، ذلك الحدث التاريخى الذى ينتظره ما يزيد على نصف سكان العالم، من الشباب والكبار والأطفال، ويُعدّون له العدّة والعتاد، من أجهزة استقبال وشاشات عرض وتأهب نفسي وتنظيم لمواعيد وبرامج حياة وكل وسائل الراحة المصاحبة له، إنه بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2014.
تعد بطولة هذا العالم النسخة العشرين من سلسلة بطولات كأس العالم التى بدأت منذ عام 1930، والتى تقام دورتها الأخيرة فى قارة أمريكا الجنوبية – فى دولة البرازيل – بعد أن حدد الاتحاد الدولى لكرة القدم “فيفا” نظام التناوب بين القارات، وحدّد قارة أمريكا الجنوبية كمقر تقام فيه البطولة هذا العام، حيث تم فتح باب التقد لبلدان أمريكا الجنوبية لاستضافة البطولة، ولم تتقدم سوى البرازيل بملف للاستضافة، لتفوز بشرف تنظيم البطولة العالمية الكبرى.
ومنذ فوز البرازيل بتنظيم البطولة وهى تتحضّر بمختلف الطرق والوسائل لاستقبال الوافدين، سواء من المشاهدين أو من اللاعبين والمنتخبات، فتجهز الفنادق على أفخم الأشكال والطرز، وتنظم طرقها، وتكثّف وتزيد من الوسائل والاحتياطات الأمنية فى الأماكن المختلفة، وما إلى ذلك من الترتيبات والأشياء اللازمة لتنظيم واستضافة بطولة بهذا الحجم، لتتحول دولة فى حجم البرازيل – بكامل طاقتها وأجهزتها ومواطنيها – إلى حالة حيّة من الحركة الدائمة والتأهب المستمر.
غابات الأمازون
وضمن جغرافيا الدولة الأمريكية الجنوبية الكبيرة تقع غابات الأمازون، والتى تعتبر رئة كبرى من الرئات التى تتنفس الأرض من خلالها، فهى الغابة البكر فى القارة الأمريكية الجنوبية.
تحوى تلك الغابات الشاسعة تنوّعًا بيولوجيًا هائلاً من النباتات والأحياء، إذ أن عدد أنواع الأسماك فى الأمازون أكبر كثيرًا من عدد الأنواع فى المحيط الأطلسى برمّته، وكذلك تم اكتشاف أنواع مختلفة من المخلوقات الحيوانية غير تلك المتواجدة فى العالم أجمع، والتى لا توجد سوى فى غابات الأمازون الساحرة، ولذلك فإن هذا التنوع البيولوجى يزوّد العالم كله بخدمات حيوية كبيرة وجليلة، فعلى سبيل المثال يتم إنتاج نحو 20% من الأكسجين العالمى فى “الرئة الخضراء” للأمازون، والذى يصلنا مع التيارات الهوائية العالمية، وكذلك تشكل غابات الأمازون عاملاً طاردًا للغازات الدفيئة من الغلاف الجوى للأرض، الأمر الذى يساهم فى فرملة التغيرات المناخية التى تهدد أيضا الساحل الفلسطينى، وتعتبر غابات الأمازون – وفقًا لما يقوله العلماء – بمثابة مضخة ماء ضخمة تنتج سحب المطر، وتؤثر على النظام العالمى للرياح والأمطار، وهى بذلك تُعدّ المحرّك الأساسى أو مصدر وقود الحياة على الأرض بأكملها، ولا يجوز الاستهانة بقدرها وقيمتها وأهميتها القصوى فى تحقيق اتزان واستقامة واستدامة النظام البيئى.
الرئة والسرطان
من ناحية أخرى، وعلى الرغم من كل ذلك، تتعرض تلك الغابات إلى تهديدات كبيرة من شأنها أن تدمّرها وتُجرّف أراضيها، حيث يجرى حاليًا الاعتداء السافر على هذه الغابات بشكل يومى، ويجرى تجريفها والقطع الجائر لأشجارها ونباتاتها، من أجل تحويلها إلى طرق سريعة ومدن سكنية، ناهيك عن زراعة النباتات المخدرة فيها، وإنشاء معامل لتصنيع وتحويل هذه النباتات إلى مخدرات يتم تهريبها إلى جميع أنحاء العالم، من خلال عصابات خطرة، وبمساعدة بعض الحكومات والديكتاتوريات العالمية.
لذلك يتوجب علينا جميعًا – حكومات وأفراد – العمل على مواجهة هذه الممارسات، والوقوف فى وجه هذا العدوان، فقد يوقف هذا الاجتثاث المكثّف للغابات عمل هذه المضخة الطبيعية للحياة على الأرض، ما يتسبّب فى عملية تصحّر كبيرة لمناطق واسعة فى القارتين الأمريكية والأوروبية،وقد صرح علماء من البرازيل والولايات المتحدة الأمريكية بأن الاجتثاث الذى تتعرض لها أشجار غابات الأمازون حالياً أكبر ممّا كان متصوّرًا بحوالى 60 بالمئة، حيث استعان الباحثون بموارد الوكالة الأمريكية للفضاء “ناسا” لاستطلاع الصورة وتقييمها، وخلصت الدراسة إلى أن المناطق التى تمّ تدميرها من غابات الأمطار فى الأمازون – بين عامى 1999 و 2002 – أكبر مما كان متوقعًا بآلاف الكيلو مترات المربعة.
وقد تمكن فريق الباحثين من معرفة ذلك عبر استعمال تقنيات أكثر تطوّرًا من سابقاتها، تعتمد على صور الأقمار الصناعية والمسح الجوى، وهو ما مكّنهم من التقاط تفاصيل دقيقة لأنشطة وتحركات بشرية لم يكن رصدها ممكنًا من قبل، وكما تقول الدراسة فإن كمية الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية فى الأمازون أكبر بـ 25 بالمئة ممّا يكفى للمساهمة فى الاحتباس الحرارى.