الكوكب الأحمر
وكان تشابه كوكبي المريخ والأرض والقرب النسبي بينهما بمتوسط مسافة 225 مليون كيلو متر، من أبرز الأسباب التي جعلت الكوكب الأحمر مرشحاً رئيساً للاستكشاف، وهدفاً للدراسة ككوكب محتمل للسكن فيه مستقبلاً.
ويعرف المريخ بكونه ثاني أصغر كوكب في المجموعة الشمسية، وأطلق عليه الكوكب الأحمر الذي تسبب أكسدة المعـادن الحديدية في تربته تكوين الصدأ، فيضفي اللون الأحمر علـى التربة والجو، وتبلغ الجاذبية على سطحه نحو ثلث الجاذبية على كوكب الأرض، ويبلغ متوسط درجة الحرارة على سـطحه 63 درجة مئوية، وتساوي السنة المريخية 687 يوماً على كوكب الأرض، ويتمتع بغلاف جوي رقيق يوفر له الحماية من الإشعاعات الكونية والشمسية، يتكون غالباً من غازات ثاني أكسيد الكربون والأرجون والنيتروجين وكمية صغيرة من الأكسجين وبخار الماء.
ويتميز "مسبار الأمل" الذي بلغت كلفته 200 مليون دولار، والتي تعد من بين الأقل في العالم قياساً بمهمات ومشروعات مماثلة، بمزيجه الفريد من الأجهزة العلمية المتطورة التي صممت خصيصاً لهذه المهمة والقدرة على التنقل بين طبقات الغلاف الجوي للمريخ وتغطيته على مدار اليوم، وباختلاف المكان وتغيرالمواسم.
جهود عالمية
وتقوم "المجموعة الاستشارية" وهي عبارة عن منتدى مركزي يتم من خلاله التوصل إلى توافق في الآراء بين مجتمع علوم المريخ حول العالم لبرنامج استكشاف المريخ، بتحديد الأهداف العلمية والأبحاث التي يجب أن يتم دراستها من أجل تعزيز معرفة البشر بالكوكب الأحمر.
وتشمل أهداف المجموعة لعام 2020 أربعة أهداف، أولاً تحديد ما إذا كان المريخ قد شهد حياة من قبل، أو ما يزال بإمكانه ذلك، ثانياً فهم طبيعة الطقس ومعرفة تاريخ المناخ على كوكب المريخ، ثالثاً فهم نشأة وتطور المريخ كنظام جيولوجي، وأخيراً الاستعداد من أجل استكشافه برحلات مأهولة.
وترتبط الأهداف العلمية لمشروع الإمارات لاستكشاف المريخ في المقام الأول بالهدف الثاني من أهداف المجموعة الاستشارية لبرنامج استكشاف المريخ، الذي يتمثل في فهم طبيعة الطقس ومعرفة تاريخ المناخ على كوكب المريخ. وعلى وجه التحديد، وتندرج أهداف "مسبار الأمل" تحت الهدف الفرعي الذي يهدف إلى "وصف حالة المناخ على كوكب المريخ والعمليات التي تتحكم فيه في ظل التكوين المداري الحالي للكوكب" وذلك من خلال دراسة الطبقة العليا والسفلى من الغلاف الجوي للمريخ بشكل متزامن.
أهداف مسبار الأمل
يهدف "مسبار الأمل" إلى تقديم أول صورة متكاملة للغلاف الجوي للمريخ، وذلك لتكوين فهم أعمق حول التغيرات المناخية على سطح كوكب المريخ، ورسم خارطة توضح طبيعة طقسه الحالي عبر دراسة الطبقة السفلى من غلافه الجوي، ودراسة تأثير التغيرات المناخية على المريخ في تشكيل ظاهرة هروب غازي الأكسجين والهيدروجين من غلافه الجوي عبر دراسة العلاقة بين طبقات الغلاف الجوي السفلية والعلوية، فضلاً عن إجراء دراسات معمقة حول ظاهرة هروب غازي الأكسجين والهيدروجين من الغلاف الجوي لكوكب المريخ، ومعرفة أسباب حدوثها.
الأجهزة العلمية
صممت ثلاثة أجهزة علمية حديثة خصيصاً لمشروع "مسبار الأمل" لتوفير أول صورة متكاملة للغلاف الجوي للمريخ، وإتمام هذه المهمة ودراسة الجوانب المختلفة للغلاف الجوي للمريخ، تشمل هذه الأجهزة مقياس طيفي بالأشعة تحت الحمراء " EMIRS" ، وكاميرا الاستكشاف الرقمية " EXI" ، ومقياس طيفي بالأشعة فوق البنفسجية "EMUS ".
جهاز EMIRS
وتفصيلاً، سيقوم المقياس الطيفي بالأشعة تحت الحمراء " EMIRS" بدراسة الطبقة السفلى من الغلاف للكوكب الأحمر بواسطة حزم من الأشعة تحت الحمراء.، وقياس انتشار الغبار والسحب الجليدية وبخار الماء وأنماط درجة الحرارة، كما سيساعد على معرفة الروابط بين الطبقة السفلى والعليا من الغلاف الجوي للمريخ بالتزامن مع المقياس الطيفي بالأشعة فوق البنفسجية وكاميرا الاستكشاف الرقمية.
جهاز EXI
وستعمل كاميرا الاستكشاف الرقمية " EXI" على دراسة الطبقة السفلى من الغلاف الجوي للكوكب الأحمر بشكل مرئي، والتقاط صور عالية الدقة للمريخ، بالإضافة إلى قياس العمق البصري للماء المتجمد في الغلاف الجوي، وقياس مدى وفرة الأوزون، وتقديم صور مرئية للمريخ ملتقطة عبر الغلاف الجوي.
جهاز EMUS
وسيساعد المقياس الطيفي بالأشعة فوق البنفسجية "EMUS" على كشف الطول الموجي للأشعة فوق البنفسجية، وتحديد مدى وفرة وتنوع أول أكسيد الكربون والأكسجين في الغلاف الحراري على نطاقات زمنية شبه موسمية، فضلاً عن حساب التركيب ثلاثي الأبعاد والنسب المتغيرة للأكسجين والهيدروجين في الغلاف الخارجي، وقياس نسب التغير في الغلاف الحراري.
الأهداف الاستراتيجية
وإلى جانب الأهداف العلمية لمشروع الإمارات لاستكشاف المريخ، سيحقق المسبار أهدافاً استراتيجية أخرى تدور حول المعرفة البشرية والقدرات الإماراتية والتعاون الدولي، تتمثل في تحسين جودة الحياة على الأرض من خلال بذل كامل جهدنا لتحقيق اكتشافات جديدة، وترسيخ مكانة الإمارات في المنطقة، ومكانتها كمنارة للتقدم في المنطقة، ولتغدو الإمارات دولة عالمية رائدة في مجال أبحاث الفضاء، بالإضافة إلى تشجيع التعاون الدولي فيما يتعلق باستكشاف كوكب المريخ، ورفع مستوى الكفاءات الإماراتية في مجال استكشاف الكواكب الأخرى، والعمل على إلهام الأجيال العربية الناشئة وتشجيعهم على دراسة علوم الفضاء، وبناء المعرفة العلمية.
مراحل إطلاق مسبار الأمل
وتمر رحلة "مسبار الأمل" للوصول إلى كوكب المريخ عبر مجموعة من المراحل، تبداً مع إنطلاق المسبار من مركز تانيغاشيما للفضاء باليابان، إذ تم تخصيص "نافذة الإطلاق" التي تمتد لحوال 30 يوماً وتبدأ في 15 يوليو (تموز) الحالي وتنتهي في 13 أغسطس (آب) المقبل، لإتمام إطلاق المسبار بنجاح إلى المريخ. ويتم استهلاك معززات الصاروخ الصلبة مع تسارع الصاروخ مبتعداً عن سطح الأرض، وبمجرد اختراق الصاروخ للغلاف الجوي سيتم التخلص من الجسم الانسيابي الذي يحمي "مسبار الأمل" من الغلاف الجوي.
نافذة الإطلاق
وتعرف "نافذة الإطلاق" بأنها المرحلة التي يتوجب أن ينطلق خلالها المسبار نحو المريخ في أفضل توقيت، حين يكون كوكبا الأرض والمريخ في أقصى نقطة تقارب لهما خلال دورانهما حول الشمس وفي خط مستقيم معها، الأمر الذي يحدث مرة واحدة فقط كل عامين
صاروخ الإطلاق
وسينطلق "مسبار الأمل" إلى المريخ على متن صاروخ "إتش 2 إيه – 202" وهو جزء من صواريخ "إتش 2 إيه" اليابانية عالية الأداء والتي يتم تطويرها بواسطة شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة التي تتولى جميع الخدمات المتعلقة بإطلاق المركبات الفضائية بما في ذلك تصنيع صواريخ الإطلاق وتصميم البرامج التقنية اللازمة لعملية الإطلاق وخدمات الدعم اللوجيستي لعملية الإطلاق في مركز تانيغاشيما الفضائي.
ويتكون صاروخ الإطلاق من مرحلتين إضافة إلى سطح انسيابي وزوج من معزز الصواريخ، ويستخدم نظام دفع الصاروخ الهيدروجين السائل والأكسجين السائل. في حين تتولى وكالة الفضاء اليابانية "جاكسا" عمليات توجيه الصاروخ بدقة وسلامة وتأمين وصوله للمسافة الآمنة إضافة إلى إدارة منشأة موقع الإطلاق.

وفور الانتهاء المرحلة الأولى من عملية الإطلاق، سيتم التخلص من الصاروخ ووضع المسبار في مدار الأرض حتى تتم عملية الاصطفاف الدقيق مع المريخ وعندها تبدأ المرحلة الثانية من توجيه "مسبار الأمل" في الاتجاه الصحيح نحو الكوكب الأحمر، بسرعة تبلغ 11 كيلومتر في الثانية.
التشغيل المبكر
ومجرد إتمام المرحلة الثانية من عملية الإطلاق تبدأ سلسلة من الأوامر المعدة مسبقاً لتنشيط المسبار، بدءاً بتنشيط الكمبيوتر المركزي، وتشغيل السخانات لمنع تجمد الوقود. وتستمر سلسلة الأوامر فيتم نشر الألواح الشمسية واستخدام مستشعرات مخصصة لتحديد موقع الشمس وتبدأ بعدها مناورة تعديل موضع المسبار وتوجيه الألواح الشمسية نحو الشمس لتبدأ عملية شحن البطاريات الموجودة على متن المسبار.
ومع تنشيط المسبار وبالتزامن مع بدء سلسلة الأوامر سيبدأ "مسبار الأمل" في إرسال إشارة إلى الأرض، هذه الإشارة سيتم التقاطها من قِبل شبكة ناسا لمراقبة الفضاء العميق التي تقع في العاصمة الإسبانية مدريد. وبمجرد تلقي الإشارة في المحطة الأرضية سيبدأ فريق مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ في إجراء سلسلة من الفحوصات للتأكد من سلامة المسبار.
وبعد إتمام عملية الاتصال والتأكد من سلامة المسبار، يمكن للفريق الاطمئنان لأن نظام التحكم سيعمل على توجيه المسبار في الاتجاه الصحيح، بينما سيضمن نظام الدفع إجراء مناورات تفصيلية لتحسين مسار "مسبار الأمل" نحو المريخ، وعليه يمكن للفريق أن يبدأ في الاستعداد للمراحل المقبلة من المهمة، وذلك لأن "مسبار الأمل" أصبح جاهزاً ليقطع رحلته الطويلة إلى المريخ والتي تستغرق 7 أشهر وتمتد إلى 493,500,000 كيلومتر.
مرحلة الملاحة
ويقوم فريق العمليات في المحطة الأرضية بمتابعة "مسبار الأمل" باستمرار وهو يشق طريقه نحو المريخ. وعلى مدار الأشهر القادمة يعمل الفريق على إجراء سلسلة مناورات لتحسين مسار المسبار إلى المريخ تُعرف باسم "مناورات تصحيح المسار".
وخلال هذه المرحلة يتم تشغيل الأجهزة العلمية وفحصها للتأكد من أنها تعمل بشكل صحيح، ويتم فحص الأجهزة بتوجيهها نحو النجوم للتأكد من سلامة زوايا المحاذاة الخاصة بها والتأكد من أنها جاهزة للعمل بمجرد وصولها إلى المريخ، وفي نهاية هذه المرحلة يقترب "مسبار الأمل" من المريخ بسرعة محددة وزاوية انحراف دقيقة حتى يتمكن من الدخول إلى مدار المريخ.
الدخول إلى مدار المريخ
ومع بدء مرحلة دخول "مسبار الأمل" إلى مدار المريخ، سيتم تقليل العمليات في المحطة الأرضية والتواصل مع المسبار إلى الحد الأدنى، ليتحول تركيز الفريق إلى إدخاله في مدار التقاط حول المريخ بشكل آمن. وسيتم حرق نصف كمية الوقود الموجودة في خزانات "مسبار الأمل" لإبطائه إلى الحد الذي يسمح بإدخاله في مدار الالتقاط. وستستمر عملية حرق الوقود (إطلاق صواريخ دلتا في) لمدة 30 دقيقة لتقليل سرعة المسبار من 121,000 كم/ساعة إلى 18,000 كم/ساعة.
وستتم عملية الدخول إلى مدار الالتقاط حول المريخ، بشكل مستقل 100%، دون تدخل من فريق مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ الذي لن يتمكن من التعامل مع المسبار بسبب تأخر الإشارات اللاسلكية الصادرة منه التي سوف تستغرق مدة تتراوح بين 13 إلى 26 دقيقة للوصول إلى الأرض. وبمجرد اكتمال عملية الدخول إلى مدار المريخ سيكون "مسبار الأمل" محجوباً بواسطة المريخ، وعندما يخرج المسبار من الجانب المظلم للمريخ، سيتم إعادة الاتصال به مرة أخرى وعندها فقط يمكن للفريق التأكد من نجاح مناورة الدخول إلى مدار الالتقاط حول المريخ.
وخلال الأشهر القليلة التالية، سيقوم الفريق بفحص الأجهزة العلمية الموجودة على متن "مسبار الأمل"، ويتم إجراء عدة مناورات لإدخاله في المدار العلمي الصحيح حول المريخ حتى يبدأ مهمته.
مرحلة التنقل
وأخيراً يتم خلال مرحلة التنقل، بمناورات الانتقال من مدار الالتقاط إلى المدار العلمي المناسب حتى يتمكن المسبار من أداء مهامه العلمية الأساسية، إذ يتخذ مدار الالتقاط شكلاً بيضاوياً وتصل مدة الدورة الواحدة حول الكوكب فيه إلى 40 ساعة، وفيه سيكون "مسبار الأمل" على ارتفاع 1000 كيلومتر فوق سطح المريخ وعلى بعد 49,380 كيلومتر منه.
سيقوم "مسبار الأمل" بالتقاط الصورة الأولى للمريخ وإرسالها إلى مركز العمليات الأرضية. ليتم بعدها جدولة الاتصال اليومي المحطة الأرضية حتى يتمكن فريق المشروع من إجراء عمليات تحميل سلسلة الأوامر واستلام بيانات عمليات القياس عن بُعد.
وسيتخذ "مسبار الأمل" مداراً بيضاوياً حول المريخ على ارتفاع يتراوح بين 20,000 إلى 43,000 كيلومتر، يستغرق فيه المسبار 55 ساعة لإتمام دورة كاملة حول المريخ. ويُعد المدار الذي اختاره فريق الإمارات لاستكشاف المريخ مبتكراً للغاية وفريداً من نوعه وسيسمح لمسبار الأمل بإمداد المجتمع العليم بأول صورة على الإطلاق لديناميكيات الغلاف الجوي لكوكب المريخ وطقسه على مدار ساعات اليوم وطوال أيام الأسبوع.
وتقتصر عدد مرات اتصال "مسبار الأمل" مع المحطة الأرضية على مرتين فقط في الأسبوع وتتراوح مدة الاتصال الواحد بين 6 إلى 8 ساعات، ومن المخطط أن ينقل المسبار خلال هذه الفترة مجموعة كبيرة من البيانات العلمية عن الغلاف الجوي للمريخ وديناميكياته وسيصل حجم هذه البيانات بنهاية المهمة إلى أكثر من 1 تيرابايت من البيانات العلمية في صورتها الأولية.