هو أبو الفرج علي بن الحسين أبو الفرج الأصفهاني، وينتهي نسبه إلى مروان بن محمد آخِر خلفاء بني أمية؛ لا يعرف على وجه اليقين موضع ولادته، فقالوا إنه أصفهاني المولد في أواخر القرن الثالث الهجري، استنادًا إلى لقبه الذي عُرف به واشتهر، وقالوا إنه بغدادي المنشأ والمسكن، وقيل إن أجداده كانوا يعيشون في أصفهان بعد سقوط دولتهم، ثم نزح أحفادهم إلى بغداد وأقاموا بها. أما نسبه من ناحية أمه فيمتد إلى آل ثوابة، المعروفين في عصرهم بالكتابة والأدب والشعر، وذكر ابن النديم عددًا منهم في كتابه "الفهرست".
عُرف عن جده محمد بن أحمد الأصفهاني أنه من كبار سامراء، وكان على صلة متينة بوزرائها وأدبائها وكُتابها، وكان أبوه الحسين بن محمد يقطن بغداد، ويحرص على طلب العلم والثقافة الشائعة في عصره، كما كان عمه الحسن بن محمد من كبار الكُتاب في عصر المتوكل، وهو الذي تولَّى تربيته وتثقيفه، فروى عنه أبو الفرج كثيرًا في كتابه "الأغاني".
نشأ الأصفهاني وتعلَّم في جو مُعبَّق بعطر العلم وأريج الثقافة، ثم تطلع إلى مصادر أخرى للمعرفة، فرحل إلى الكوفة في فترة مبكرة من حياته، وأخذ الحديث والتاريخ واللغة عن شيوخها الكبار، ومنهم مطين بن أيوب، والحسين بن الطيب الشجاعي، ومحمد بن الحسين الكندي وغيرهم، ثم رجع إلى بغداد وبدأ حياة علمية جادة، وأظهر جلَدًا وشغفًا بالعلم، واتصل بأعداد هائلة من شيوخ بغداد وعلمائها الذين كانت تمتلئ بهم مساجدها؛ منهم الإمام الطبري، وعنه روى الأصفهاني معظم أخبار العرب القديمة ومغازي الرسول صلى الله عليه وسلم وأشعارًا لشعراء الدعوة الإسلامية، كما لازم أيضًا عددًا من كبار أئمة اللغة.
جلس الأصفهاني على مقعد التدريس في مطلع القرن الرابع الهجري، وكان قد انتهى من كتابة أول مؤلفاته "مقاتل الطالبيين" فجلس لإملائه على تلاميذه الذين اتصلوا به ولازموه، بعد أن ذاعت شهرته، وقصد حلقاته عدد كبير من المحدثين والأدباء والشعراء، ومن تلاميذه المعروفين الإمام الدارقطني، وأبو زكريا يحيى بن مالك الأندلسي، وعلي بن دينار، ومحمد بن أحمد المغربي راوية المتنبي، وأبو علي الحسن بن علي بن محمد التنوخي، كما اتصل بالحسن بن محمد المهلبي وزير معز الدولة البويهي، وكانت له به صلة قبل أن يتولى الوزارة، فلازمه 13 سنة حتى توفي المهلبي، وكان الوزير يوالي الأصفهاني بصلاته، ويقربه إليه، ويجعله من ندمائه، وكان للوزير مجلس مشهور يؤمه كبار الشعراء والكتاب من أمثال أبي القاسم التنوخي، وأبي إسحاق الصابئ، وأبي العلاء صاعد خليفة، والشاعر أبي الطيب المتنبي. وكان الأصفهاني رأس هذا المجلس، ونديم صاحبه، كثير المدح له، وكان من ثمرات هذه العلاقة آثار كثيرة في مؤلفاته وأشعاره، كذلك تذكر المصادر التاريخية أن للأصفهاني صلاتٍ بملوك الأندلس من بني أمية، يؤلف لهم الكتب ويرسلها لهم فيصلونه بجوائز كبيرة، أما صلته بسيف الدولة فليس في أخباره ما يوضح حقيقتها، ويلقي الضوء عليها سوى أنه أهداه كتاب "الأغاني" فأعطاه عليه ألف دينار.
رسمت كتب المعاصرين للأصفهاني صورة سيئة على عكس أعلام عصره، فوصفوه بأنه "لا يعتني بمظهره، ويبدو دائمًا متسخ الثياب، قذرًا في شكله وفعله، بعيدًا عن مظاهر السلوك الحميد والتصرف الأنيق الذي يتصف به دائمًا من ينادم الملوك والأمراء"، ومع ذلك هناك إجماع من المؤرخين على سَعة علمه، وكثرة محفوظه، وجودة شعره، وكثرة تأليفه، وأضافوا إلى ذلك أنه كانت له رحمة وألفة بصنوف الحيوان "يأنس بصحبتها، ويعالجها إذا أصابتها العلة، ويأسى لموتها".
ألّف الأصفهاني أكثر من 30 كتابًا، لم تسلم كلها، ووصل إلينا منها "الإماء الشواعر"، و"مقاتل الطالبيين" وتناول فيه سيرة أكثر من 200 من قتلى الطالبيين وشهدائهم منذ زمن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الوقت الذي انتهى فيه، وكانت شخصية علي بن أبي طالب هي أهم شخصية تناولها، فأفرد لها صفحات كثيرة، ثم تتابعت شخصيات العلويين لتشمل الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب وغيرهما من آل البيت، غير أن أهم كتبه هو "الأغاني" الذي نال شهرة واسعة وصِيتًا ذائعًا لم ينله كتاب في الأدب العربي منذ أن ظهر للناس في القرن الرابع الهجري حتى يومنا هذا، ووصفه ابن خلدون بأنه "ديوان العرب، وجامع أشتات المحاسن التي سلفت لهم في كل فن".
وبعد حياة عريضة من العمل والتأليف وذيوع الشهرة، توفي أبو الفرج الأصفهاني في بغداد في 14 من ذي الحجة 356هـ، الموافق 20 من نوفمبر 967م.
الأصفهاني.. الجامع لصنوف العلم والفن الأصفهاني.. الجامع لصنوف العلم والفن