زواجها من رسول الله
لما تأيَّمت ميمونة بنت الحارث - رضي الله عنها - عرضها العباس على النبي في الجُحْفَة ،
فتزوَّجها رسول الله ، و بنى بها بسَرِف على عشرة أميال من مكة ، وكانت آخر امرأة تزوَّجها رسول الله ،
وذلك سنة سبع للهجرة (629م) في عمرة القضاء .
وهي خالة خالد بن الوليد وعبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -
وقد أصدقها العباس عن رسول الله أربعمائة درهم ،
وكانت قَبْلَه عند أبي رُهْم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد وُدّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ؛ ويقال : إنها التي وَهَبَتْ نفسها للنبي ؛ وذلك أن خطبة النبي انتهت إليها وهي على بعيره ،
فقالت : البعير وما عليه لله ولرسوله .
فأنزل الله تبارك وتعالى :
{ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ
إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ }
[الأحزاب : 50].
وقد قيل : إن اسمها كان بَرَّة ، فسمَّاها رسول الله ميمونة ، وكانت - رضي الله عنها -
قريبة من رسول الله ، فكانت تغتسل مع رسول الله في إناء واحد [6] .
الحكمة من زواج النبي بها
لقد حقَّق النبي بزواجه من السيدة ميمونة - رضي الله عنها - مصلحة عُلْيَا ،
وهي أنه بهذه المصاهرة لبني هلال كَسَبَ تأييدهم ، وتألَّف قلوبهم ، وشجعهم على الدخول في الإسلام ،
وهذا ما حدث بالفعل ، فقد وجد النبي منهم العطف الكامل والتأييد المطلق ،
وأصبحوا يدخلون في الإسلام تباعًا ، ويعتنقونه طواعيةً واختيارًا [7] .
قال العلامة محمد رشيد رضا : ورد أن عمَّ النبي العباس رغَّبه فيها ،
وهي أخت زوجه لبابة الكبرى أمِّ الفضل ، وهو الذي عقد له عليها بإذنها ،
ولولا أن العباس رأى في ذلك مصلحةً عظيمةً ، لما اعتنى به كل هذه العناية [8] .
ميمونة في بيت النبي
كانت - رضي الله عنها - آخر امرأة تزوَّجها رسول الله [9] .
قال ابن هشام : وكانت جَعَلَتْ أمرها إلى أختها أمِّ الفضل ، فجعلتْ أمُّ الفضل أمرها إلى زوجها العباس ،
فزوَّجها رسولَ الله ، وأصدقها عنه أربعمائة درهم [10] . و يُقال : إنها هي التي وَهَبَتْ نفسها للنبي ،
وأنزل الله تعالى فيها :
{ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ
إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ }
[ الأحزاب : 50] .
لما انتهت إليها خطبة رسول الله لها وهي راكبة بعيرًا قالت : الجمل وما عليه لرسول الله [11] .
وبانضمام السيدة ميمونة - رضي الله عنها - إلى ركب آل البيت ،
وإلى أزواج رسول الله كان لها - كما لأُمَّهات المؤمنين رضي الله عنهن-
دور كبير في نقل حياة رسول الله إلى الأُمَّة ،
كما قال الله تعالى:
{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا }
[الأحزاب: 34] .
قال البغوي : قوله :
{ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ }
يعني : القرآن ،
{ وَالْحِكْمَةِ }
قال قتادة : يعني السُّنَّة . وقال مقاتل : أحكام القرآن ومواعظه [12] .
ومن ثَمَّ كانت أُمَّهات المؤمنين تنقل الأحكام الشرعية بدقَّة بالغة ،
فنجد الأحاديث التي يُذكر فيها الغسل والوضوء وما كان يفعله النبي في نومه واستيقاظه ودخوله وخروجه ،
وما كان أحد لينقل هذه الأمور كلها بهذه الدقَّة إلاَّ أُمَّهات المؤمنين رضي الله عنهن ؛
وذلك نظرًا لصحبتهن الدائمة للرسول .
مروياتها عن رسول الله
روت عن رسول الله ، وروى عنها : إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس ،
ومولاها سليمان بن يسار، وعبد الله بن سليط ، وابن أختها عبد الله بن شداد بن الهاد ،
وابن أختها عبد الله بن عباس ، وابن أخيها عبد الرحمن بن السائب الهلالي ، وغيرهم .
وفاتها
وقد تُوُفِّيَتْ - رضي الله عنها - بسَرِف بين مكة والمدينة ، حيث بنى بها رسول الله ،
وذلك سنة 51هـ/ 671م ، أكَّد ذلك ابن حجر وغيره[13] ،
وكان لها يوم تُوُفِّيَتْ ثمانون أو إحدى وثمانون سنة [14] .
المصادر :
[1] محب الدين الطبري : السمط الثمين ص189.
[2] العصامي : سمط النجوم العوالي 1/201.
[3] الذهبي : سير أعلام النبلاء 2/238.
[4] المصدر السابق 2/245.
[5] الطبراني : المعجم الكبير (12012) ، والحاكم في المستدرك (6801)،
وقال: صحيح على شرط مسلم. وقال الألباني: صحيح . انظر السلسلة الصحيحة (1764) .
[6] محب الدين الطبري : السمط الثمين ص192.
[7] محمد فتحي مسعد : أمهات المؤمنين ص206. [8] محمد رشيد رضا : نداء للجنس اللطيف في حقوق النساء في الإسلام ص84 .
[9] ابن سعد : الطبقات الكبرى 8/132.
[10] ابن كثير : السيرة النبوية 3/439.
[11] ابن هشام : السيرة النبوية 2/646 ، و السهيلي : الروض الأنف 4/117،
وابن كثير: السيرة النبوية 3/439.
[12] البغوي : معالم التنزيل 6/351.
[13] ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 8/128، وأيضًا : تهذيب التهذيب 12/402.
[14] ابن سعد : الطبقات الكبرى 8/140.