أصابت نكسة الخامس من يونيو 1967 قلوب جميع المصريين وأحلامهم، بأكثر مما أصابت الوطن والجبهة رمال سيناء، وكانت قلوب الفنانين والمبدعين فى القلب من هذه الإصابة، وفى مرماها المباشر، فهم الذين طالما بشّروا بالنصر والتحرر والعزة، ورسموا الأحلام بالألوان والنغمات، ليفيقوا – قبل الجميع – على رصاصة تصيب قلب هذه الأحلام، ولكنهم كانوا مقاتلين، كما كان الجنود والضباط على جبهة الحرب، واستطاعوا أن يشحذوا كلماتهم وموسيقاهم وحناجرهم وشرائط أفلامهم، لتكون جنودًا فى الحرب وحاملة لآمال هذا الشعب.
أغنيات مسحت الدمع:
كانت الهزيمة حدثًا استثنائيًّا ومفاجئًا، وبينما كان الغناء الوطنى يسير بخطى ثابتة وسريعة ومتواترة على طريق الاحتفاء بالتقدم الاجتماعى والاقتصادى، وتمجيد النظام السياسى القائم والتغنّى بالوحدة والقومية العربية التى كانت ركنًا رئيسيًّا فى توجهات نظام ثورة يوليو، دهمت قاطرة الهزيمة هذه الحناجر والمسارح والأغنيات، وكان لزامًا على النغمة والكلمة والحنجرة أن يرتدوا الأفرول ويصعدوا إلى الجبهة، ليحفزوا الهمم ويبشّروا بالنصر، ويحملوا نصيبهم من أعباء الشدّة كما بشّروا بالرخاء وجنوا حصاده من قبل.
مواساة العندليب
العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ قدم مجموعة أغنيات متنوّعة بعد نكسة يونيو 1967 مباشرة، كانت جميعها تهدف إلى الشدّ من أزر المصريين فى ذلك الوقت، وأولى هذه الأغنيات كانت “عدى النهار”، التى كتب كلماتها الشاعر عبد الرحمن الأبنودى ولحنها الموسيقار كمال الطويل، وتقول كلماتها:
عدّى النهار
والمغربية جايّة
تتخفّى ورا ضهر الشجر
وعشان نتوه فى السكة
شالِت من ليالينا القمر
وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها
جانا نهار ماقدرش يدفع مهرها
يا هل ترى الليل الحزين
أبو النجوم الدبلانين
أبو الغناوى المجروحين
يقدر ينسّيها الصباح
أبو شمس بترشّ الحنين؟!
وكذلك قدم العندليب الأسمر: أغنية “إنذار” للشاعر عبد الرحمن الأبنودى والموسقار كمال الطويل أيضًا، وقدم أغنية “فدائى” التى كتب كلماتها الشاعر محمد حمزة ولحّنها بليغ حمدى، وتقول كلماتها:
فدائى فدائى فدائى
أهدى العروبة دمائى
وأموت أعيش ما يهمّنيش
وكفاية أشوف علم العروبة باقى
وأيضًا قدم عبد الحليم حافظ خمس أغنيات فى السياق ذاته: راية العرب، اضرب، بالدم، بركان الغضب، وأحلف بسماها وبترابها، وجميعها من كلمات الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى، وألحان الموسيقار الكبير كمال الطويل.
حماسة أم كلثوم
وقدمت كوكب الشرق أم كلثوم مجموعة من الأغانى الوطنية فى أعقاب نكسة 1967، ومن هذه الأغنيات قصيدة “أصبح عندى الآن بندقية”، وهى من تألف الشاعر الكبير نزار قبانى وألحان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وتقول كلماتها:
أصبح عندى الآن بندقية
إلى فلسطين خذونى معكم
إلى ربىً حزينة
كوجه المجدلية
إلى القباب الخضر
والحجارة النبيَّة
وأيضًا قدمت كوكب الشرق أغنية بعنوان “قوم بإيمان وبروح”، وهى من كلمات الشاعر عبد الوهاب محمد، وألحان الموسيقار رياض السنباطى، وتقول كلماتها:
قوم بإيمان وبروح وضمير
دوس على كل الصعب وسير
حقّ بلادك وحده عليك
عايز منك سعى كتير
دوس على كل الصعب وسير
آذان عبد الوهاب
قدم موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، أغنية بعنوان “حى على الفلاح” وكأنه يؤذن لإفاقة الناس وإنهاض الهمم، وهى من كلمات الأخوين رحبانى، ولحّنها وغنّاها عبد الوهاب فى أعقاب هزيمة يونيو، وتقول كلماتها:
طول ما أملى معايا معايا .. وفى إيديّا سلاح
هافضل أجاهد وامشى أمشى من كفاح لكفاح
وطول ما إيديّا فى إيدك.. أقوم واهتف واقول
حىّ حىّ.. حىّ على الفلاح
ومن أغانى المقاومة بالفن فى أعقاب النكسة قدم الموسيقار محمد عبد الوهاب أغنية بعنوان “حرية أراضينا فوق كل الحريات”، وهى من كلمات صالح جودت ولحن موسيقار الأجيال، وتقول كلماتها:
حرية أراضينا فوق كل الحريات
وحاضرنا وماضينا فى كتاب المجد آيات
قول يا تاريخ واشجينا واترنِّم بالبطولات
قول للدنيا علينا، دا احنا والمجد اخوات
أيامنا بطولات.. ليالينا تضحيات
حرية أراضينا فوق كل الحريات
وقدم الموسيقار محمد عبد الوهاب أيضًا أغنية “سواعد من بلادى”، وهى من كلمات الأخوين الرحبانى ومن ألحانه وغنائه، وتقول كلماتها:
سواعد من بلادى تحقق المستحيلا
وهمّة من بلادى تبنى مصيرًا وجيلا
موطنى أهواه لا هوى إلّاه
ترخص الدنيا ويعلو طيِّبًا ثراه
يا سما بلادى.. وثرى أجدادى
لست أرضى عنكما بديلا
“بيوت” الأبنودي وحمام
بعد النكسة شعر الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى بحالة حزن شديدة، ولذلك اصطحب الفنان محمد حمام إلى مدينة السويس وجلسا هناك لفترة، وقام بتأليف أغنية “يا بيوت السويس”، وقام بتلحينها الملحن إبراهيم رجب، وغناها الفنان محمد حمام، وتقول كلماتها:
يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى
استشهد تحتك وتعيشى إنتى
يا بيوت السويس
يا بيوت السويس
أفلام الهزيمة والنصر:
لم تتخلّ السينما عن ركب التفاعل مع ما ألمّ بالأمة بعد الخامس من يونيو 1967، فكانت على مسافة قريبة من الحدث وتعقيداته، تحلّله وترصد أسبابه ومظاهر بطولاته، مبشّرة بالعبور والتغلّب على الهزيمة والوصول إلى محطّة النصر، ولعلّ هذا هو السبب الذى لا يجعلنا نستطيع الفصل بين أفلام ما بعد الهزيمة، وأفلام ما قبل النصر وما بعده، فالسينما ارتدت ثوبًا واحدًا، وتحلّت بروح قوية وصامدة فيما بين 1967 و1973.
أغنية على الممرّ
فيلم “أغنية على الممر” من الأفلام التى تناولت النكسة، وتم إنتاجه عام 1972، وتدور أحداثه حول فصيلة مشاة تم حصارها عام 1967، وأثناء الحصار يبدأ كل جندى من الجنود المحاصرين فى تذكر حكايته وروايتها لزملائه.
من بين الجنود الذين يحكون حكاياتهم، كان “حمدى” الفنان الذى يحلم بالارتقاء بالأغنية بعيدًا عن الابتذال، والشاويش محمد الذى كان أكبرهم سنًّا، وهو فلاح يترك أولاده يزرعون الأرض ليشارك هو فى حرب 1956، وفى حرب 1967، إضافة غلى شخصية “شوقى” الذى كان رمزًا للمثالية، و”مسعد” العامل البسيط الذى يحلم بالاستقرار مع زوجة، و”منير” الانتهازى، وفى ظلّ الحصار والظروف الصعبة يتعرضون لهجوم من طائرات العدو.
قام ببطولة هذا الفيلم: محمود مرسى، صلاح قبيل، محمود ياسين، صلاح السعدنى، مديحه كامل، راوية عاشور، هالة فاخر، سهير البارونى، عبد الخالق صالح، حلمى هلالى، عبد العزيز أبو الليل، وسيلة حسين، أبو الفتوح عمارة وفتحية على، وقد كتب سيناريو وحوار الفيلم الكاتب مصطفى محرّم، وأخرجه على عبد الخالق.
الرصاصة لا تزال فى جيبى
يدور هذا الفيلم حول المجنّد محمد، الذى يلجأ إلى بيت أحد الفلسطينيين أثناء النكسة، ليعاونه فى الهروب والعودة إلى مصر، وعندما يصل إلى قريته ينظر إليه أهل القرية جميعًا على أنه هو السبب فى النكسة، وهو ما يدفعه إلى حالة نفسية سيئة.
كان محمد يحب ابنة عمه، ولكن يطلبها “عباس” للزواج، وهو الرجل الظالم الذى يستغل فلاحى القرية، ويوافق عمّه على هذا الزواج، ولكن بعد ذلك يترك عباس القرية، ويذهب محمد للمشاركة فى حرب أكتوبر 1973، ليعود منتصرًا ومحمولاً على الأكتاف ويتزوج حبيبته.
الفيلم من تأليف الروائى إحسان عبد القدوس، وإخراج حسام الدين مصطفى، وبطولة: محمود ياسين، نجوى إبراهيم، حسين فهمى، يوسف شعبان، عبد المنعم إبراهيم، سعيد صالح، صلاح السعدنى ومحيى إسماعيل.
أبناء الصمت
تدور أحداث فيلم “أبناء الصمت” منذ أن أغرق المصريون المدمرة الإسرائيلية “إيلات”، متتبّعًا حالة الجنون والرغبة فى الانتقام التى أصابت الجيش الإسرائيلى، ويتناول الفيلم – فى هذا السياق – نضال الجنود المصريين على الحدود فى حرب الاستنزاف، عبر تتبع حكاية مجموعة من الجنود فى تحركاتهم اليومية مع قائدهم إلى خلف خطوط العدو.
فيلم “أبناء الصمت” عن رواية للكاتب مجيد طوبيا، وبتوقيع المخرج محمد راضى، وقام ببطولته عدد من مجوم فترة السبعينيات: نور الشريف، محمود مرسى، ميرفت أمين، محمد صبحى، مديحة كامل، أحمد زكى، حمدى أحمد، سيد زيان، فريدة سيف النص والسيد راضى.